رحلة الإنسان الواعي بين التعلقات والتحرر

إذا ما نظرنا إلى أي إنسان واعٍ من منظور وعينا كبشر واعين، وتعمّقنا بمستوى ودرجات وعيه سوف نكتشف أن الإنسان الواعي يسير في مسيرة الحياة على الصراط المستقيم، وهو طريق الحياة الدنيا الذي يسعى للوصول من خلاله إلى المتعة والسعادة. لكن هذا الصراط مليء بالأشواك والعقبات والمطبّات، والتي تشكل في الحقيقة تعلقات تعيق تقدمه في الحياة وتحرمه من المتعة أثناء رحلته على الصراط.

هذه التعلقات تستنزف طاقة الإنسان بشكل كبير، ولذلك تغدو قدرة الإنسان على التخلي واكتساب الوعي الكامل هي الجوهر الحقيقي للتخلص من كل أشكال التعلقات. ولأن الإنسان الحرّ يجب أن يبقى حرّاً بلا قيود، عليه التخلي عن كل مايستهلك طاقته أو يبدّدها.

لدى إتمام الإنسان لهذه المرحلة الحاسمة من حياته، تنجلي أمامه قدراته المبهرة والهائلة على مستوى العقل الواعي والعقل الباطن معاً. وعلى الرغم من هذا التقدم، إلا أن مدارك الوعي تظلّ مبهمة وغير قادرة على فك ألغاز الباطن العميقة بشكل مطلق، لأن داخل هذا الباطن يتجلّى العالم الأكبر (أتحسب أنك جرم صغير، وفيك أنطوى العالم الأكبر). ومع ذلك، سوف يواصل الإنسان الواعي رحلته في البحث والسعي عن الحقيقة، فيبدأ تدريجياً بفهم قدراته العقلية حتى يتلمّس طاقات الباطن ويبدأ باستثمارها، ليجد نفسه في رحلة عظيمة يدرك خلالها أن جميع الأمور الباطنية مسخرة له.

مع هذا الفهم البليغ للباطن، ستلمع فكرة بعمق الوعي أن العالم الخارجي مسخر له أيضاً، بمن فيه البشر والحيوانات والنباتات وكل الكائنات التي تأتي على شكل رُسل مسخرّة له. وهنا يدرك الإنسان الواعي أن عليه التفطن لهذا التسخير بكل مداركه، ليبدأ رحلة جديدة أخرى نحو استيعاب الخارج الأكبر، كالكواكب، والبروج ومدد الأرواح الموجودة على الأرض أو خارج نطاق الأرض.

وهنا تبدأ مرحلة السعي نحو نوعية وكيفية الاتصال العميق بجوهر الروح، حتى يصل إلى الروح العظمى، المولّد الأكبر لكل الأرواح: الله سبحانه وتعالى. وبالنتيجة، تزداد رغبة الإنسان في البحث أكثر وأكثر حتى يصل إلى عمق البصيرة، حيث لا يكتفي ببصره نحو الداخل والخارج، بل ينتابه رغبة وحبّاً وفضولاً غير إعتيادي لإستبصار ما وراء ذلك، أي اكتشاف “الماورائيات”، والغوص في جوهر هذا العمق.

ويبقى السؤال: أين النهاية؟ ماذا بعد نهاية الصراط المستقيم؟ هل سيصل الوعي إلى عمق سدرة المنتهى؟ وكم من الزمن والجهد والطاقة سستغرق الإنسان للوصول إلى هذا العمق؟ وخلال هذه الرحلة كم من الأسرار سنكتشف من عمق النفس والروح والكون إلى عمق الصراط وعمق السدرة؟

بين التعلّق والتحرّر مساراتٌ من تجارب الوعي والتطور..نخوض غمارها معكم بشغفٍ ويقين.

نلقاكم بحب.

نضال اللحام 

Share:

    1 Comment

  1. Marwa Sarhan
    07/01/2025
    رد

    رحلة الحياة..هي رحلة الوعي و التحرر و الاكتشاف بحب و سعادة.
    النظر لداخلنا و ماحولنا بمنظر اخر جديد.
    شكرا استاذي لتوجيهنا …نتذوق السعادة بوعي و نتحرر بحب …نرتقي ونعلو و نتخلى بسهولة و يسر فتتجلى السبل و الأهداف بأحسن حال.

Leave A Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    غيرت القلوب و شتت العقول وتاهت الأنفس وفقد الإتصال بالروح التي نفخت بروحنا من الإله الأعظم…. هل انت قريب منه ام بعيد؟ هل ترغب بالصلاة باتصالها ام بحركاتها؟ هل تريد...
    • 64 درس
    €420.00€260.00
    جميعنا تعلقنا و تعريف التعلق هو الإضطراب و القيود.. نقيد أنفسنا بتعلقات وهمية مسببة لأمراض ظاهرة و باطنة. نحجب الرؤيا! نحجز القادم من اهداف! نمنع المدد و نفقد التوازن الطاقي...
    • 87 درس
    €490.00€280.00
    دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ … وَتَـحْـسَبُ أَنَّـكَ جِـرْمٌ صَـغِـيرٌ وَفيكَ انطَوى العالَمُ الأَكبَر. الجذب التشافي المشاعر ردة الفعل الحلول الأمراض الأفكار إتخاذ القرار الذاكرة الكشف المدد……...
    • 49 درس
    €490.00€210.00

مقالات ربما تعجبك

الحب هو أعظم المشاعر الإنسانية في الوجود وأكثرها تأثيراً، تلك الكلمة التي تحمل في طياتها معاني شتى في تأثيرها على...
الوعي هو الإدراك الذاتي والعالم الخارجي. الوعي يتطور مع الخبرة والتعلم، او مع الصحوة واليقظة الروحية . المعرفة هي المواقف...
يبدو و كأنه نشاط بسيط ولكنه يتمتع بالعمق الكبير.  بغض النظر عن جوهر التأمل، الذي هو تركيز العقل وتحريره من...
اضغط للتواصل
محتاج مساعدة؟
فريق الدعم ووكيل نضال اللحام 🌷 تسعدنا مساعدتك بكل حب ❤️